اعلان بالهيدر

آخر العناوين

صلاة على الماشي



يروى أن قيس بن الملوح (مجنون ليلى) تابع كلب ليلى ليدلّه على مكانها.. فمرّ على جماعة يصلّون، وعندما عاد مرّ بهم، فقالوا له: أتمرّ علينا ونحن نصلي ولا تصلي معنا ؟
قال لهم: أكنتم تصلون ؟
قالوا: نعم.
قال : والله ما رأيتكم، و والله لو كنتم تحبون لقاء الله كما أحب لقاء ليلى ما رأيتمونى...!
هذه موعظة عاشق ليلاه تهدى لنا كما أهداها لأهل زمانه ... حال كثير من المصلين هكذا، صلاة بالأجساد وسط غياب الارواح، خلفت ورائها جملة لا تحصى من الاخطاء الشائعة بينهم، تبدأ تلك الاخطاء بماراثون إيماني لإدراك الركعة عند ركوع الامام، و ربما يود بعضهم لو قال للإمام حين الركض: صبرك لا تقوم، الحين حركع.
ذلك الماراثون أفقد صاحبنا حلاوة الصلاة وسط شهيق و زفير، و بينما ذلك الماراثوني عن يميني يشهق و يزفر، إذ أنبعث عن يساري غازات كاتمة للنفوس، طاردة للملائكة، أنها رائحة الفم المفعم بالمذاق المنفر كالثوم و البصل و السيجارة و البهارات، و مع القفازات و الثياب المتسخة و المبللة بالعرق يصير لدينا ما هو أشبه بالنفايات، و يالله ... ليت الامام أختصر بنا الصلاة حتى لا أصاب بالإغماء من جراء ذلك، أو على الأقل كنت سأحضر كمامات بكل صلاة حتى نختصر المشوار ... ففي بعض الاحيان لا حياة لمن تنادي.
على كل حال ... و بينما أستمع لجمال صوت الامام يرتل القرآن، إذ أسمع صوت منشد ظننته فقد وعيه بين المصلين ... لكن سرعان ما رأيت أمامي مصل يخرج جواله بنغمته الموسيقية لمدة عشر ثوان على أقل تقدير لينظر ما الجديد في ذلك، فانقطع اتصاله عن السماء و صار عن الله خارج نطاق التغطية، و اتصل بعالم الارض و الجوال.
و بينما قمنا للركعة التالية إذ بصراخ يعلو، إنه طفل يبكي: بابا بابا .... سامحك الله يا بابا لقد شوشت علينا صلاتنا ... فبيوت الله لمن يعظم شعائر الله، ( و من يعظم شعائر الله فأنها من تقوى القلوب)، و هذا الطفل و أمثاله لا يعون ذلك، جميل ان تجعله من رواد المساجد، لكن ليس على حساب الاخرين و خشوعهم، و المسجد دار عبادة لا حضانة.
المهم و بينما أنا في نسيم الخشوع مرة أخرى، إذ بي أسمع صوتين يقرأن الآيات بنفس الوقت، ظننت أن الميكرفون ذو صدى، أو هناك بغباء عند الامام يردد ما يقوله الامام، لكن الامر عكس ذلك، كان خلفي شخص مجهول هو من يردد مع الامام بدل الانصات، و العجيب أن الامام لما قرأ قول الله تعالى: (و إذ قرئ القرآن فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون) فإذ صاحبنا يردد الآية وراءه! و لك يا خوي، الامام يريدك أن تسكت لكنك ما فهمت.
و قام الامام بعد ركوعه، فقمنا و إذ أمامي شاب يافع عليه لباس قصير و ضيق، بإمكاننا أن نعد فقرات عموده الفقري من خلالها، و عند لحظة السجود، اضطررت الى النظر عاليا ، و اغماض عيني تارة اخرى، لان الوضع كان مزري أمامنا، لا ينفع معه خاصية حجب المواقع، و عيني عينك حتى تنتهي الصلاة.
انتهت الصلاة و لم ينتهِ أهلها عن الاخطاء، قام المارثوني من عندي مستعجلاً واضعاً يديه على بطنه، و قد دافعه أحد الاخبثين، و الحمد لله على سلامتنا من أي انفجارات مدوية كادت أن تحصل بسببه.
و بينما أنظر لخلفي، فإذ بشخص قد صلى على طرف الصف، و بينه و بين اخوته من المصلين فرجات للشيطان، و آخر صلى متقدم على الخط المحدد للصف، و آخر يصلي ما فاته من الركعات على طريقة مولاه "الدجاج" عندما يلتقط الحب الى منقاره، و آخر يصلي على الطريق المخصص للمارة من و الى باب المسجد، مما يحدث زحام مروري يستدعي تدخل العم ساهر لإعطاء صاحبنا مخالفة مرورية لتعطيله حركة المشاة.
و بعد برهة بسيطة من الزمن ... و عند باب المسجد و أنا خارج، استوقفتني ورقة كتب عليها حديث نبوي شريف: (صلوا كما رأيتموني أصلي) فبعضنا يصلي غير صلاة النبي r، و يعذر نفسه بأنه لم يرَ النبي r، و نسي أن السنة الشريفة بين يديه يراها، و نسي أن أتباعه r من التابعين و تابعي التابعين يروون قصص عظيمة في سلامة صلواتهم من الاخطاء و هم لم يروا النبي r لكنهم استشعروا بقلوبهم صلاته r.
خرجت من المسجد، لأجد معرض الاحذية تحت قدمي، و صندوق الاحذية فارغ، في صورة تبين لنا نظرة بعض المصلين للنظام من أبسط صورها، فلا انتظم بعضهم داخل المسجد، و لا الآخرون خارجها.
إن غاية المساجد: (في بيوت أذن الله أن ترفع و يذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو و الاصال) و من جملة آدابها: (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) أي: بستر العورة و الزينة هي اللباس الساتر اللائق بمقام العبودية لله.
تقبل الله منا و منكم صالح الاعمال، و أصلح لنا طالح الأعمال، لكن الصلاح بتغيير الحال بأنفسنا الى الاحسن.

ليست هناك تعليقات